ما دوافع التنمية الحقيقية؟ أهي العلوم الحقة أم العلوم الانسانية؟
الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء والهندسة و التكنولوجيا لم تكن سبب تطور الغرب كما يحلو للبعض تسويقه..
هذه الاشياء يمكن نقلها من دولة بسهولة بالغة ببناء المؤسسات وبالاستثمار في البنيات التحتية..
اسباب التطور لم تكن العلوم الحقة ابدا بل الاستثمار في العلوم الإنسانية:
العلوم الاقتصادية لصناعة الثروة
العلوم السياسية لصناعة القادة
العلوم القانونية لضبط و تحكيم المجتمع
العلوم الاجتماعية لفهم المجتمع
التاريخ لصناعة الهوية الوطنية
الفلسفة لصناعة الأخلاق الحقة وبناء الانسان المتزن
العلوم الحقة تتطور لما توفر لها العلوم الإنسانية ظروف العمل و من يقول عكس ذلك فليقرأ تاريخ الاسهامات العلمية و الظروف الاجتماعية التي نشأت فيها..
العلوم الحقة مكنت من صناعة المسدس لكن فلسفة العقد الاجتماعي جعلته في يدي الشرطي فقط.. و بالمقابل في مجتمعات الاضطهاد يمكن ان يستعمل في قتل الابرياء و في العمليات الإجرامية او في الدفاع عن الانظمة الديكتاتورية..
ايضا، الاستثمار في العلوم الحقة بدون الاستثمار في الانسان اهدار للموارد و اهدار لفرص التنمية الحقيقية.. فالفساد لا يمكن معالجته بالكمياء و الجهل لا يحارب بالفيزياء و التربية لا تكون بعلم الفلك والنظام لا يأتى من علوم الحوسبة و حس الانتماء لا يمكن احياؤه بالخوارزميات الرياضية..
حاجتنا للتربية و للوعي و للنظام و لاعمال الفكر ولاستحضار الحس الوطني و للانضباط امام القانون و للمساواة المؤسساتية و للعدالة و لاحقاق حق الناس هي من تستطيع ان تحقق الرفاه و العيش الكريم و خلق الثروة و تقاسمها و السعادة للمواطنين..
بين هذه العلوم الحقة و بين هذه العلوم الإنسانية ياتي المعتقد الديني ليقدم أجوبة لأسئلة قد لا تطالها مقرابات هذه العلوم لكن هذا الاسمنت المجتمعي، كما وصفه دروكاييم، الضامن للتماسك المجتمعي يكاد يجعل هذا الاخير سدا منيعا ضد كل تيارات التغيير في حال ما اعتبر شيءا ثابتا لا يتغير و لا يمكن المساس به، و يكاد يكون الدافع الحقيقي نحو النهضة و التنوير الفكري باعثا على التفكير في سبل الانماء في حالة تبنينا صيغا متصالحة مع متغيرات الفرد والمجتمع..
فالدين أفيون الشعوب كما ذهب كارل ماركس او اساس بناء المجتمع كما عبر دوركايم و فيبر..كلا العباراتين صحيحتين ودقيقتين لكن كل واحد من المفكرين يتحدث عن صيغة مختلفة للدين : دين متصالح مع العلوم الإنسانية و دين يتعالى عنها ويوقف إعمالها..
المفكر السوسيولوجي ماكس فيبر طرح سؤالا في غاية الاهمية والدقة: لماذا تقدم الغرب و تاخر الشرق؟
و كان الجواب غير المنتظر : لانه ( اي الغرب) استطاع نزع السحر عن العلم.. و يقصد بالسحر الفكر الخرافي او الميتافيزيقي ، اي بتحكيم الطرح الوضعي كما اسس له العبقري اوغست كانط بمعية استاذه سان سيمون..
انصاف العلوم الإنسانية انصاف الانسان قبل كل شيء..