نحو فهم حقيقي للدوافع الإنسانية

حدث اليوم :

لا أدري هل أحدكم سيفهم ما سأقول أم لا؟ لكن سأعيدها كقصة طريفة و كقانون أساسي يسير حياة الناس جميعهم..

في اجتماع مصغر مع بعض أعضاء فريقي قمنا بتقييم كل ما تم تسطيره من تحديات و كل ما ثم انجازه و الحمد لله تجاوزنا مرحلة ضغط كبيرة و تنفسنا الصعداء .. لكن ( هناك دائما كلمة لكن لتوقف لذة النصر) لكن انخفضت مباشرة النتائج بشكل ملحوظ بدون اي سبب منطقي او مباشر..

وطبعا كانوا ينتظرون مني الحل و الاستراتيجية التي ستنقد الموقف انا الذي عاهدتهم على الأفكار الابداعية كل مرة ( بقليل أو كثير من الغرور) .. فطرحت عليهم سؤالا بسيطا في الصيغة لكن، في نفس الان، كثير التعقيد إذا ما استعمل المنطق الخطي المعهود. السؤال كان : لماذا نجحنا في هذه الفترة بالذات؟ و ما كان السبب الحقيقي في هذه النتائج؟

عقلك المنطقي الآن يقول أيا كان النجاح الذي حققته فسيكون نتيجة للتخطيط و الإيمان و العمل الجاد و الإستمرارية و كل القوانين الذي يتلوها جميع المشتغلين في تطوير الذات.. فبالرغم أنني لا أنكر أيا من هذه الأفكار و المبادئ الأساسية، إلا أنه يوجد عامل يسبق كل هذا و يضاهي كل هذه الأمور مجموعة..

لا أدري حقا هل أستطيع بناء هذه الفكرة بشكل منطقي ( وأنا العقلاني المغالي في إعمال العقل والمنطق في كل شيء) لكن في كل مرة ينجح انسان في شيء ما يكون هذا العامل هو الدافع الأساسي للنجاح..

انتظر فريقي لبرهة و استنفذ كامل الاجابات عن سؤالي و كانت نظراتي لهم تعني عدم التصديق و التشكيك فيها وتقزيمها (الافكار طبعا لا الأشخاص) وذكّرتهم بالظروف التي ولَّدت ما ولَّدت من نتائج وانجازات.. صار السؤال: هل كان عندنا خيار آخر غير ما قمنا به؟ و هل كنا مخيرين في ما فعلنا ؟ و ما مقدار الضغط في تلك المرحلة؟ فجاءات الأجوبة بعبارات اندهاش و بأعين دائرية و أفواه ملئ: نعم كلما مررنا بمرحلة ضغط كلما كان العمل أفضل و كلما كانت النتائج أحسن..

ما أحاول شرحه في هذه التدوينة هو أنه لن ينج اي انسان لمجرد أنه يريد النجاح وانه يعمل اللازم، و إنما حينما يحتاج حقا للذلك النجاح و حينما لا يكون النجاح مجرد خيار وحينما يكون مضغوطا أشد الضغط..

لطالما ربط الناس الضغط بالألم ولطالما بحثوا عن الطرق الفعالة للخروج منه باعتبار أن أحاسيس الانزعاج التي تخلقها الضغوط شيء غير مرحب به.. لكن في الحقيقة هذه الضغوط هي حقا ما يخرج من الإنسان أفضل ما فيه و هي ما يدفعه للتحرك وللعمل والانتاجية..

انتهى الاجتماع وانصرف الفريق و أطفؤا الأنوار دون أن يجدوا الجواب العملي للسؤال الذي انتهى به الاجتماع: ما هو التحدي القادم؟ و أي ضغط جديد لفترة جديدة؟ بقيت في المكتب اكتب هنا وأجيب عن على الرسائل هناك و اصمم أحد الدورات التي سأبدؤها غذا بتوفيق الله.. و إذا بالفرج يأتي برسالة واتساب من أحد المقربين : تحمل هما كبيرا و ضغطا أكثر مما قد سبق.. انتهت المحادثة واختلطت علي الأحاسيس و الأفكار بين ما يجب القيام به وبين الآجال القريبة و حجم المهام التي ستترتب عن ذلك..

وأنا اكتب عرفت انني سأنجوا منها مرة أخرى، كما نجوت في كل مرة، ليس بعملي أو بذكائي أو بمهاراتي، لكن لأنه لا يوجد خيار ثان أو ثالث.. هي اللغة الوحيدة التي تخاطبنا بها الحياة لتعلمنا شيء أو لتجعلنا نتحرك.. هي ترمينا في البركة لتعلمنا السباحة.. و ان ابقتنا على الشط لن نتعلم يوما..

تذكرت جواب الملك العبقري الحسن الثاني رحمه الله على سؤال لأحد الصحافيين: هل تتمنى حكما سهلا لولي عهدك محمد السادس؟ أجاب لا، لا أتمنى له حكما سهلا فإن كان كذلك لن يكون له أي قيمة أو دور و يمكن الاستغناء عنه بسهولة..

هي نفسها استراتيجية الملك الأمازيغي طارق بن بزياد النفزي : الضغط أمامك و الضغط من ورائك و ليست لك إلا العمل و النصر..

إذا أرادت الحياة بك خيرا ضغطت عليك لتخرج ما بداخلك.. و ما بدواخلنا جميعا إلا خير نفيد به البلاد و العباد..

لم استصغ يوما تسمية دائرة الراحة أو دائرة الأمان كما يحلو للبعض تسميتها و أعتبرها دائرة الضغط السلبي أو الضغط الذي يشل قدرة الإنسان وخارج هذه الدائرة توجد دائرة الضغط الإيجابي الذي يحركه ويدفعه به الأمان..

رزقكم الله ضغطا على ضغط حتى تنهضوا لتشتغلوا، حتى تبتعدوا عن الملهيات، و حتى تعرفوا الأهم والأفيد لكم..

هذه فلسفتي في الحياة وهكذا أشتغل..

وصلت الرسالة؟

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top